تأملات في آيات
معنا الآن آية فريدة من نوعها وهي قوله تعالى ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير﴾ (آل عمران﴾
وهناك فرق بين الملك بضم الميم والملك بكسرها فبالضم يعني الآمر الناهي الذي إذا أمر وجبت طاعته مثل ولي الأمر أما الملك بكسر السين فهو الذي يملك الشيء كما تقول: هذا القلم ملكي تتصرف فيه كيف تشاء بالبيع والشراء ولذلك نجد قوله تعالى في سورة الفاتحة ﴿مالك يوم الدين﴾ وقد قرأت بضم القاف بقراءتين متواترتين (مالك) و (ملك) الأولى من الملك بضم الميم والثانية من الملك بكسر الميم فدلت القراءتان على أكثر من معنى فالله تعالى هو الملك والمالك لكل المخلوقات يتصرف فيها كيف شاء.
أما الآية التي معنا فيخبر الحق سبحانه وتعالى فيها أنه مالك الملك بضم الميم أي المتصرف بالأمر والنهي يأمر فيطاع وينهى فيستجاب فهو مالك الملك يعطيه من يشاء ويمنعه ممن يشاء وهذا لحكم ربانية يظهر بعضها ويختفي بعضها والله تعالى أعلم بكتابه وتأمل ما بعدها ﴿وتعز من تشاء وتذل من تشاء﴾ وختام الآية ﴿بيدك الخير﴾ وقد اختلف فيها العلماء فمنهم من ذهب إلي أن في الآية اكتفاء والتقدير بيدك الخير والشر ومنهم من قال إنه ليس فيها اكتفاء والتقدير بيدك الخير فقط فالله تعالى لا يأتي إلا بخير بدليل قوله تعالى ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ (النساء: ٧٩) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والخير بيديك والشر ليس إليك" ( جزء من حديث أخرجه الحاكم في المستدرك - كتاب التفسير - ومن تفسير سورة بني إسرائيل - رقم ٣٣٨٤ - ج٢ ص٣٩٥)وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه - قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
وأنا أميل إلى الرأي الأول القائل إن الآية من باب الاكتفاء والسر فيها أن الشر قد حذف حتى لا يتصور نسبته لله تعالى كأنه غير موجود أصلا فكل شيء بأمر الله تعالى والدليل قوله تعالى ﴿أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عنك قل كل من عن الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا﴾ (النساء: ٧٨) والآية بعدها تقول ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ (النساء: ٧٩) وهذا من باب التأدب مع الله تعالى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره يؤيد هذا المعنى حيث يقول "والخير بيديك والشر ليس إليك" فلم يقل والشر ليس بيديك وإنما قال: ليس إليك أي لا ينسب إليك وهذا قمة التأدب مع الله عز وجل
وختام الآية بقوله تعالى ﴿إنك على كل شيء قدير﴾ فيه من الأسرار ما فيه فالجملة مؤكدة بعدة مؤكدات (إن حرف توكيد - إسمية الجملة - كل التي تفيد العموم - تقديم الجار والمجرور (على كل شئ) على (قدير) مما يفيد الحصر - تنكير شيء وإضافة كل إليها - استعمال اسم الله تعالى القدير - صيغة المبالغة في قدير فقد جاء على وزن فعيل التي تدل على المبالغة)
وما أجمل كلام إمام الدعاة مولانا الشيخ الشعراوي في احتفال نجاة السيد الرئيس محمد حسني مبارك رحمه الله تعالى وغفر له واسكنه الفردوس الأعلى من الجنة من محاولة اغتيال في أديس أبابا وهو كلام لا يحتاج إلي نقله هنا فهو مشهور معروف
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
كتبه /
أ.د/ أحمد إمام عبد العزيز عبيد أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بكلية أصول الدين والدعوة بطنطا
يوم الأحد الموافق ٨ / ٥ / ٢٠٢٢م.