تأملات في قوله تعالى {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.....} (البقرة: ٢٧٣) - أ.د.م/ أحمد إمام عبد العزيز عبيد

الاثنين، 9 مايو 2022

تأملات في قوله تعالى {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.....} (البقرة: ٢٧٣)


معنا اليوم آية جميلة جامعة مانعة وهي قول الله تعالى في سورة البقرة ﴿للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا وما أنفقوا من خير فإن الله به عليم﴾ (البقرة: ٢٧٣).
وقد وقعت هذه الآية وسط آيات كثيرة تتحدث عن الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى بداية من الآية ٢٦١ وهي قوله تعالى ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله تعالى كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم﴾ وختاما بالآية بعدها رقم ٢٧٤ وهي قوله تعالى ﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾.
وقد اشتملت الآية التي معنا على أسرار كثيرة حيث قررت الصفات الواجب توافرها فيمن يستحق الصدقة وهي: 
١ - أن يكون المتصدق عليه بفتح الدال فقيرا والفقير الذي لا يجد قوت يومه.
٢ - أن يمنعه مانع من كسب رزقه بأن يكون ممنوعا أو أو لا يستطيع الكد والعمل وفي هذا المعنى يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" وذو المرة: بكسر الميم  وتشديد الراء هو صاحب القوة الذي لا يمنعه مانع من العمل والسوي: صحيح البدن.
٣ - أن يكون عفيفا لا يطلب الصدقة مع معاناته وفقره لدرجة أن من يراه يعتقد أنه غني من شدة تعففه.
٤ - أنهم معروفون عند من يجتهد في تحري إخراج الصدقة لمستحقيها لا يخفون عليه.
٥ - أنهم لا يسألون الناس إلحافا أي إلحاحا بمعنى أنهم لا يكررون طلب المسألة وقد اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية هل المقصود أنهم لا يسألون بإلحاف ولا بغير إلحاف ويكون في الآية اكتفاء فذكر الإلحاف وأراده وأراد معه غير الإلحاف أيضا ويكون التقدير لايسألون الناس إلحافا ولا غير إلحاف فهم متعففون لا يسألون الصدقة مطلقا أو المقصود نفي السؤال بإلحاف دون غير الإلحاف؟ فيكون المعني أنهم لا يكررون السؤال وإنما يسألون ولا يكررون المسألة والذي أرجحه وأميل إليه الأول بدليل قوله تعالى قبلها ﴿يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم﴾ فلو كانوا يسألون الناس لما قال تعالى ذلك وما أجمل قول إمام الدعاة مولانا فضيلة الشيخ الشعراوي رضي الله عنه وأرضاه حين قال في تفسيره لهذه الآية إن الله تعالى أراد بذلك أن ينبهنا إلى أمر هام وهو أن نكفي هؤلاء الفقراء ولا نلجؤهم للسؤال.
وما أروع ختام الآية بقوله تعالى ﴿وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم﴾ فمن للتبعيض ونكرت خير للدلالة على أن ما تنفقه حتى وإن كان قليلا فالله تعالى عالم به وسيجازيك عليه جزاء موفورا وفي هذا السياق قال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" 
وفي الختام أنبه إلى أننا يجب علينا البحث عن الفقراء بأنفسنا ولا نوكل غيرنا في إخراج الصدقة قدر المستطاع وأن نتحرى عمن يستحق الصدقة وفقا لهذه الشروط التي وضعها الله تعالى لنا في هذه الآية الكريمة والله ولي التوفيق

كتبه/
دكتور/ أحمد إمام عبد العزيز عبيد
أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بكلية أصول الدين والدعوة بطنطا
في يوم الجمعة ٦ / ٥ / ٢٠٢٢م.